تعريف الأكراة والاضطرار
الإكراه لغة:
عبارة عن حمل الإنسان على أمر يكرهه،
وقيل: على أمر لا يريده طبعًا, أو شرعًا.
وتقول: كره الشيء كرهًا وكرهًا وكراهة وكراهية: خلاف أحبه، فهو كاره, والشيء مكروه.
ثم يقول: وقد أجمع كثير من أهل اللغة على أن الكَره والكُره: لغتان بمعنى واحد، فبأي لغة وقع فجائز، إلا
الفراء، فإنه زعم أن الكُره -بالضم- ما أكرهت نفسك عليه، والكَره -بالفتح- ما أكرهك غيرك عليه، تقول: جئتك
كرهًا، وأدخلتني كرهًا.
وقال الزجاج في قوله تعالى: }وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ {1 ، يقول: كرهت الشيء كرهًا وكرهًا وكراهة وكراهية. قال: وكل
ما في كتاب الله عز وجل من الكره -بالضم- فالفتح فيه جائز، إلا في هذا الحرف الذي في هذه الآية، فإن أبا عبيد
ذكر أن القراء مجمعون على ضمه.
من كل ما سبق يتضح لنا أن لفظ الإكراه لغة يدور بين معني المشقة والإجبار والضغط والقبح والشدة
والقهر، وبين معني الكره المنافي للمحبة والرضا
الإكراه اصطلاحًا:
هناك اتجاهان للعلماء في تعريف الإكراه اصطلاحًا, الأول يميل إلى المعنى اللغوي، والثاني يميل إلى المعنى العرفي
والشرعي، وإليك بيان كل منهما:
١- الاتجاه الأول: يعرف أصحاب هذا الاتجاه الإكراه بالمعنى اللغوي، وقد ذهب إلى ذلك بعض العلماء، كالكمال
بن الهمام، وابن حجر، والخطاب، وابن حزم.
.» حمل الغير على ما لا يرضاه « : فعرفه ابن الهمام بأنه
» إلزام الغير بما لا يريده « : وعرفه ابن حجر بأنه 3 .
.» ما يفعل بالمرء مما يضره ويؤلمه « : وعرفه الخطاب بأنه
.» كل ما سمي في اللغة إكراه, وعرف بالحس أنه إكراه « : وعرفه ابن حزم بأنه
٢- الاتجاه الثاني: يعرف أصحاب هذا الاتجاه الإكراه بالمعنى العرفي والشرعي، وقد ذهب إلى ذلك أكثر العلماء:
حمل الإنسان على قول أو فعل قهرًا بغير حق، فإن كان حمله بحق فهو « : فعرفه إبراهيم النخعي بأنه
.» إجبار
اسم لفعل يفعله المرء بغيره، فينتفي به رضاه, أو يفسد به اختياره من غير أن « : وعرفه السرخسي بأنه
.» تنعدم به الأهلية في حق المكره, أو يسقط عنه الخطاب
فعل يوجد من المكره فيحدث في المحل معنى, فيصير مدفوعًا إلى الفعل الذي « : وعرفه ابن عابدين بأنه
.» طلب منه
حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه, « : وعرفه عبد العزيز البخاري بأنه
.» ويصير الغير خائفًا به فائت الرضا بالمباشرة
حمل الغير على أن يفعل ما لا يرضاه ولا يختار مباشرته لو خلي ونفسه، فيكون « : وعرفه التفتازاني بأنه
.» معدمًا للرضا لا للاختيار
حمل الغير على ما لا يرضاه من قول أو فعل ولا يختار مباشرته « : وعرفه ابن أمير الحاج وأمير بادشاه بأنه
» لو ترك ونفسه .
.» حمل الإنسان على ما يكرهه ولا يريد مباشرته لولا الحمل عليه « : وعرفه ابن ملك بأنه
فعل يوقعه الإنسان بغيره, « : وعرفه محمد بن علي التهانوي صاحب كشاف اصطلاحًات الفنون بأنه
.» فيفوت رضاه, أو يفسد اختياره مع بقاء أهليته
أن يجبر القادر غيره على أمر لا « : وعرفه محمد عبد الحق صاحب شرح الحسامي المسمى بالنامي بأنه
.» يريده, لولا الخوف منه بالوعيد على إيقاع ما يوعد به
أن يهدد المكره قادر على الإكراه بعاجل من أنواع العقاب, « : وعرفه الشهاب الرملي من الشافعية بأنه
يؤثر العاقل لأجله الإقدام على ما أكره عليه وغلب على ظنه أن يفعل به ما هدد به إذا امتنع مما أكره
.» عليه
وبالتأمل في كل هذه التعريفات نجد أنها لا تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا، فهي متفقة في المعنى والمضمون،
وإن اختلفت في العبارة واللفظ
التعريف المختار:
والتعريف الذي يمكن اختياره وترجيحه من بين تلك التعريفات السابقة هو تعريف الإمام عبد العزيز
حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه, ويصير الغير خائفًا به « : البخاري, وهو أن الإكراه
» فائت الرضا بالمباشرة .
وسبب اختياري لهذا التعريف أنه يتوفر فيه أمران:
الأمر الأول: أركان الإكراه وشروطه.
الأمر الثاني: آثار الإكراه.
تعريف الاضطرار
الاضطرار في اللّغة : اسم من الضّرورة، والاضطرار : الاحتياج الشّديد . تقول : حملتني الضّرورة على كذا وكذا، وقد
اضطرّ فلان إلى كذا وكذ ا.
وعرّفها الجرجاني : بأنّها النّازل ممّا لا مدفع له .
وهي عند الفقهاء : بلوغ الإنسان حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب، كالمضطرّ للأكل واللّبس بحيث لو
بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرّم
حكم الإكراه
الإكراه بغير حق يعتبر من قبيل ظلم الإنسان لأخيه، لذا فهو من المحرمات وهو إحدى الكبائر، لأن فيه
اعتداء على دماء الناس وأموالهم وأعراضهم بالباطل، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسى "يا عبادى إنى حرمت
الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" .
الأمثلة الإكراه
الإكراه على إتلاف مال 9 )قال أي القدوري - رَمحمَهُ الَّلَُّ -: )وإن أكره على إتلاف مال مسلم بأمر يخاف منه على نفسه، أو على
عضو من أعضائه، وسعه أن يفعل ذلك( أي إتلاف مال مسلم )لأن مال الغير يستباح للضرورة، كما في حالة
المخمصة( أي يعامل به معاملة المباح، لا أنه يجعل مباحا في تلك الحالة، ولهذا لو لم يتناول، حتى قتل، يثاب على
ذلك .
وفي الخمر لو لم يشرب حتى قتل يأثم، قالوا هذه المسألة تدل على أن تناول مال الغير أشد حرمة من شرب
الخمر )وقد تحققت( أي الضر ورة )ولصاحب المال أن يضمن المكره( بكسر الراء )لأن المكره بفتح الراء )آلة للمكره(
بكسر الراء )فيما يصلح آلة له( قد مر أن في كل موضع يصلح كون المكره آلة للمكره يكون الضمان على المكره،
بفم الغير والتكلم بلسان الغير لا يتصور )والإتلاف من هذا القبيل( أي من قبيل أن يصلح آلة بأن يأخذه
ويلقيه على مال فيتلفه.
الإكراه على القتل
)وإن أكره بقتل على قتل غيره لم يسعه أن يقدم عليه ويصبر حتى يقتل( بأن قال له غيره إن لم تقتل فلانا
لأقتلنك لا يسعه الإقدام على قتله. قوله ويصبر بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي وهو يصبر على ذلك ولا يجوز
نصبه عطفا على أن يقدم عليه لفساد المعنى فافهم.
)فإن قتله كان آثما، لأن قتل المسلم مما لا يستباح لضرورة ما( إذ دليل الرخصة خوف التلف والمكره عليه في
ذلك سواء فسقط حق المكره في حق تناول دم المكره عليه للتعارض، بخلاف ما إذا صبر على إتلاف مال الغير، فإن
دليل الرخصة قائمة وحرمة النفس فوق حرمة المال.
)فكذا بهذه الضرورة( أي فكذا لا يباح بهذه الضرورة وهي الإكراه على قتل النفس فيقول الإكراه يبيح ما
تبيحه الضرورة وما تبيحه الضرورة لا يبيحه الإكراه ثم قتل المسلم لا يباح لضرورة ما، فكذا لا يباح بالإكراه .
الإكراه على الزنا
)قال( أي القدوري )وإن كان أكرهه على الزنا وجب عليه الحد عند أبي حنيفة - رَمحمَهُ اللََُّّ -( لأن الزنا من
الرجل لا يتصور إلا بانتشار آلته، وذلك لا يكون إلا بلذة، وذلك دليل على الطواعية، وبه قال زفر - رَمحمَهُ الَّلَُّ -
)إلا أن يكرهه السلطان( يعني لا يجب الحد حينئذ، لأن الحد للزجر ولا حاجة إليه مع الإكراه، فكان قصده بهذا
الفعل دفع الهلاك عن نفسه لا اقتضاء الشهوة، فيصير ذلك شبهة في الإسقاط وانتشار الآلة قد يكون طبعا بالفحولة
التي ركبها الله عز وجل في الرجال، ألا ترى أن النائم تنتشر آلته بلا اختيار له في ذلك ولا قصدا . )وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لا يلزمه الحد وقد ذكرناه في الحدود( في الصورتين جميعا، ودليلهما ما
ذكره أبو حنيفة - رَمحمَهُ اللََُّّ - في إكراه السلطان على الزنا قبل تقييد الإكراه بالسلطان من قبيل اختلاف العصر كما
تقدم .
شروط تحقق الإكراه
حتى تحقق الإكراه وتترتب عليه آثاره شرعا فلا بد أن توجد فيه بعض الشروط وهي:
١- أن يكون المكره قادرا على تنفيذ ما هدد به، وإلا كان هذيانا، لأن الضرورة الملجئة إلى فعل ما أكره عليه لا
تتحقق إلا عند قدرة المكره.
ولا فرق فى ذلك بين السلطان وغيره عنده عامة المعلماء، منهم أصحاب أبي حنيفة والمالكية والشافعية
والحنابلة وأهل الظاهر فالشرط عند هؤلاء هو القدرة فقط بمعنى أن يكون المكره قادرا على ما هدد به المكره سواء
كانت هذه القدرة نابعة من ولاية أتغلب أو فرط هجوم ٬ فالمعتبر عند هؤلاء القدرة حتى جاز الإكراه من الصبي المميز
إذا كان مسلطا، لوجود القدرة، وكذلك يقع الإكراة من غير العاقل كالبالغ المختلط العقل إذا مان مطاعا مسلطا.
أن يغلب على الظن المستكره أن المكره سيحقق ما أوعد به وهدد، إذا لم يجب إلى ما دعي إليه ولم يقم ما طلب
منه.
أن يعجز المستكره عن التخلص من المكره وما أكره عليه، بهرب أو مقازمة أو استغاثة، أو نحو ذلك.
أن يكون المستكره ممتنعا عن فعل ما أكره عليه قبل الإكراه لحق ما أي لحق نفسه كإتلاف ماله، أو لحق شخص
آخر كإتلاف مال غيره، أة لحق الشرع كشرب الخمر والزنا ونحو ذلك.
أن يكون المهدد به أشد خطرا على المستكره مما أكره عليه، فلو هدد إنسان بصفع وجهه إن لم يتلف المال، وكان
صفع الوجه بالنسبة إليه أقل خطرا من إتلاف المال، فلا يعد هذا إكراها.
أما لو هدده بالقتل إن لم يقطع يده، فإن هذا إكراه ٬ لأن القتل المهدد به أشد خطرا مما أكره عليه وهو قطع
اليد، فله أن يختار الأهون، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عتها قالت: )ما خير رسول الله بين أمرين أحدهما أيسر من
الآخر إلا اختار أيسرهما(. )البخاري في المناقب٬ باب: صفة النبي. ومسلم في الفضائل، باب: مباعدته للآثام واختياره
من المباح أسلهله(.
أن يترتب على فعل المك ره به الخلاص من المهدد به.
فلو قال إنسان لآخر: اقتل نفسك وإلا قتلتك، لا يعد هذا إكراها، لأنه لا يترتب على قتل النفس الخلاص
مما هدد به. وكذلك لو هدد بقطع يده ما لم يقطعها بنفسه. فلا يصح للمستكره أن يقدم على ما أكره عليه لأنه لا
أو قطع يده كان الخطر متيقنا، لاأن يفعله بنفسه ٬ ولو لم يقجم على ذلك لم يكن متيقنا مما هدد به، فربما كان المكره
يخوفة بما لا يحققه.
أن يكون المهدد به عاجلا: فلو كان آجلا لم يتحقق ا لإكراه، لأن التأجيل مظنة التخلص مما هدد به بالأستغاثة
والانماء بالسلطان، وما إلى ذلك.
- أن لا يخالف المستكره المكره بفعل غير ما أكره عليه، أو بالزيادة عليه أو مكرها.
فلو أكره إنسان شخصا على طلاق امرأته، فباع داره، أو أكرهه على طلقة واحدة رجعية فطلقها ثلاثا، أو
أكرهه على طلاق امرأته ثلاثا، فطلقها واحدة ٬ فهذه الصور الثلاثة نافذة، أي تترتب أحكامها على المكلف كما لو
فعلها باختباره، لأنها ليست من الإكلراه في شيء.
- أن يكون المكره عليه معينا، بأن يكون شيئا واحدا، فلو أكره انسان على طلاق إحدى امرأتيه، أو على قتل زيد
أو عمرو، فلا يعد هذا إكراها.
- ألا يكون المكره عليه أو المخوف به مستحقا عليه: كما لو هدد المولي باتطليق عليه هو الذي يحلف على
زوجته أن لا يقربها أربعة أشهر فأكثر، فإذا رفعت امرها إلى القاضي أمهله حتى تنتهي أربعة أشهر، ثم يأمره أن يرجع
عما حلف عليه أو أن يطلق امرأته أو القاتل عمدا بالقصاص، فليس هذا بإكراه، لأن هذه الأمور المهدد بها
مسضتحقة على المستكره.
- ألا يكون المهدد به حقا للمكره ٬ يتوصل به إلى ما ليس حقا له ولا واجبا، كتهديد الزوج زوجته بطلاقها إن لم
تبرئه من دينها، فلا يكون إكراها ٬ فإذا أبرأته فقد سقط الدين من ذمته، وليس لها أن تطالبه بعد ذلك. يسمى مكرها حقيقة، لأن المكره حقيقة هو من ينحو مما هدد به بالإقدام على ما طلب منه. بل هو إذا قتل نفسه
الإضطرار
يرفع الإكراه المسئولية الجنائية في كل محرم يبيح الشارع إتيانه في حالة الإكراه كأكل الميتة وشرب الدم، لقوله تعالى:
وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إملَّا مَا اضْطُمررْ ت إملَيْمه 29
ثم، قال تعالى: فَمَ م ن اضْطُرَّ غَيْ رَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إمثْمَ عَلَيْمه إمنَّ الَّلََّ غَفُورٌ رَّم حيمٌ 30
دل على الأيتين، فأكل الميتة وشرب الدم محرم في غير حالة الإكراه، ولكنه يباح إذا أكره الإنسان عليه، فلا مسىئولية
على إتيان الفعل ولو أنه محرم أصلا. لإن التحريم يزول بالإكراه، بل المكره ليأثم فيما بينه وبين ربه طبقا